سورة الواقعة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{وأصحاب الشمال} شروعٌ في تفصيلِ أحوالِهم التي أُشير عند التنويعِ إلى هولِها وفظاعتِها بعدَ تفصيلِ حسنِ حالِ أصحابِ اليمينِ. والكلامُ في قولِه تعالى: {مَا أصحاب الشمال} عينُ ما فُصِّلَ في نظيرِه وكذا في قولِه تعالى {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} والسَّمومُ حرُّ نارٍ ينفذُ في المسامِّ والحميمُ المُتناهِي في الحرارةِ. {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} منْ دُخانٍ أسودَ بهيمٍ {لاَّ بَارِدٍ} كسائرِ الظلالِ {وَلاَ كَرِيمٍ} فيه خير ما في الجملة سُمِّيَ ذلكَ ظلاً ثم نُفى عنه وصفاهُ البردُ والكرمُ الذي عبر به عن دفع أذى الحر لتحقيقِ أنه ليس بظلَ وقرئ: {لا باردٌ ولا كريمٌ} بالرفعِ أي لا هُو باردٌ ولا كريمٌ. وقولُه تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} تعليلٌ لابتلائِهم بما ذُكِرَ من العذابِ أي إنَّهم كانُوا قبلَ ما ذُكِرَ من سُوءِ العذابِ في الدُّنيا منعّمينَ بأنواعِ النعمِ من المآكلِ والمشاربِ والمساكنِ الطيبةِ والمقاماتِ الكريمةِ منهمكينَ في الشهواتِ فلا جرمَ عُذبُوا بنقائضِها.


{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم} أي الذنبِ العظيمِ الذي هو الشركُ ومنه قولُهم بلغَ الغلامُ الحنثَ أي الحُلُمَ وقتَ المؤاخذةِ بالذنبِ {وَكَانُواْ يِقُولُونَ} لغايةِ عُتوِّهم وعنادِهم {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما} أي كانَ بعضُ أجزائِنا من اللحمِ والجلدِ تراباً وبعضُها عظاماً نخرةً وتقديمُ الترابِ لعراقتهِ في الاستبعادِ وانقلابه من الأجزاء البادية، وإذا متمحّضة للظرفي والعامل فيها ما دل عليه، قوله تعالى {أئنا لمبعثونَ} لا نفسه لأن مَا بعد أنَّ واللامِ والهمزةِ لا يعملُ فيما قبلَها وهو نُبعثُ وهو المرجعُ للإنكارِ، وتقييدُه بالوقتِ المذكورِ ليس لتخصيصِ إنكارِه به فإنَّهم منكرون للإحياءِ بعد الموتِ وإن كان البدنُ على حالِه بل لتقويةِ الإنكارِ للبعثِ بتوجيهه إليه في حالةٍ منافيةٍ له بالكليةِ، وتكريرُ الهمزةِ لتأكيدِ النكيرِ وتحليةُ الجملةِ بأنَّ لتأكيدِ الإنكارِ لا لإنكارِ التأكيدِ كما عسى يتوهمُ من ظاهرِ النظمِ فإن تقديمَ الهمزةِ لاقتضائِها الصدارةَ كما في مثلِ قولِه تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} على رأي الجمهورِ فإن المعنى عندهم تعقيبُ الإنكارِ لا إنكارُ التعقيبِ كما هو المشهورُ وليس مدارُ إنكارِهم كونَهم ثابتينَ في المبعوثية بالفعل في حال كونِهم تراباً وعظاماً بل كونِهم بعرضيةِ ذلك واستعدادِهم ومرجعُه إلى إنكارِ البعثِ بعد تلك الحالةِ، وفيه من الدلالة على غلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيدَ عليه وتكريرُ الهمزةِ فِي قوله تعالى: {أَوَ ءابَاؤُنَا الأولون} لتأكيد النكيرِ والواوُ للعطفِ على المستكنِّ في لمبعوثونَ وحسُن ذلك الفصلُ بالهمزة يعنون أنَّ بعثَ آبائهم الأولينَ أبعدُ من الوقوعِ وقرئ: {أو آباؤنا} {قُلْ} رداً لإنكارِهم وتحقيقاً للحقِّ {إِنَّ الأولين والأخرين} من الأممِ الذين منْ جُملتهم أنتُم وآباؤكم وفي تقديم الأولينَ مبالغةٌ في الردِّ حيث كان إنكارُهم لبعث آبائِهم أشدَّ من إنكارِهم لبعثهم مع مراعاةِ الترتيبِ الوجوديِّ {لَمَجْمُوعُونَ} بعد البعثِ وقرئ: {لمُجمَعون} {إلى ميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} إلى ما وُقتت به الدُّنيا من يومٍ معلومٍ والإضافةُ بمعنى منْ كخاتم فضةٍ {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون} عطفٌ على أن الأولين داخلٌ تحت القولِ وثم للتراخِي زماناً أو رتبةً {المكذبون} أي بالبعث والخطابُ لأهلِ مكةَ وأضرابِهم.


{لاَكِلُونَ} بعد البعثِ والجمعِ ودخولِ جهنَم {مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ} من الأُولى لابتداء الغايةِ والثانيةُ لبيان الشجرِ وتفسيرِه أي مبتدئون الأكلَ من شجرٍ هو زقومٌ وقيل: من الثانيةُ متعلقةٌ بمضمرٍ هو وصفٌ لشجرٍ أي كائنٍ من زقومٍ {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} أي بطونكُم من شدةِ الجوع {فشاربون عَلَيْهِ} عَقيبَ ذلك بلا ريثٍ {مِنَ الحميم} أي الماءِ الحارِّ في الغايةِ وتأنيثُ ضميرِ الشجرِ أولاً وتذكيرُه ثانياً باعتبارِ المعنى واللفظِ وقرئ: {من شجرةٍ} فضمير عليه حينئذٍ للزقومِ وقيل: للأكلِ وقولُه تعالى: {فشاربون شُرْبَ الهيم} كالتفسيرِ لما قبله على طريقة قولِه تعالى: {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} أي لا يكونُ شربُكم شرباً معتاداً بل يكونُ مثلَ شربِ الهيمِ وهي الإبلُ التي بها الهيامُ وهو داءٌ يصببها فتشربُ ولا تروى جمعُ أهيمَ وهيماءَ وقيلَ: الهِيمُ الرمالُ على أنه جمعُ الهَيَام بفتحِ الهاءِ وهو الرملُ الذي لا يتماسكُ جُمعَ على فُعُلٍ كسحابٍ وسُحُبٍ ثم حفف وفُعل به ما فُعل بجمعِ أبيضَ والمعنى أنه يسلطُ عليهم من الجوعِ والتهابِ النارِ في أحشائِهم ما يَضطرّهم إلى أكلِ الزقزمِ الذي هو كالمهلِ فإذا ملأوا منه بطونَهم وهو في غايةِ الحرارةِ والمرارِة سلط عليهم من العطشِ ما يضطرهم إلى شربِ الحميمِ الذي يقطعُ أمعاءَهم فيشربونه شربَ الهيمِ وقرئ: {شَربَ الهيمِ} بالفتحِ وهو أيضاً مصدرٌ وقرئ بالكسرِ على أنه اسمُ المشروبِ. {هذا} الذي ذُكرَ من أنواعِ العذابِ {نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين} أي يومَ الجزاءِ فإذا كان ذلك نزلَهُم وهو ما يعد للنازلِ مما حضر فما ظنُّك بما لهم بعدما استقرَّ لهم القرارُ واطمأنتْ بهم الدارُ في النارِ وفيه من التهكمِ بهم ما لا يَخفْى وقرئ: {نُزْلهم} بسكونِ الزاي تخفيفاً والجملةُ مسوقةٌ من جهته تعالى بطريقِ الفذلكةِ مقررةٌ لمضونِ الكلامِ المقن غيرُ داخلةٍ تحتَ القولِ. وقوله تعالى: {نَحْنُ خلقناكم فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ} تلوينٌ للخطابِ وتوجيهٌ له إلى الكفرةِ بطريقِ الإلزامِ والتبكيتِ. والفاءُ لترتيبِ التحضيضِ على ما قبلَها أي فهلَّا تصدقونَ بالخلقِ فإن ما لا يحققه العملُ ولا يساعده بل ينبىءُ عن خلافه ليس من التصديق في شيءٍ وقيل: باللبعث استدلالا عليه بالإنشاء فإن من قدرَ عليه قدرَ على الإعادةِ حتماً والأولُ هو الوجهُ كما ستحيطُ به خُبْراً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5